
تؤكد جميع الاديان والشرائع ان الميراث حق للمرأة كما هو للرجل لا يجوز حرمانها منه بأي حال من الاحوال ، لذا فإن ما نشهده من ممارسات يتم تبريرها بتقاليد المجتمع وتؤدي لحرمان للمرأة من ميراث زوجها أو أبيها هو بالتأكيد ليس من الديانات في شيء ، بل هو من الأعراف البالية التي لا تسود الا في المجتمعات الجاهلة والمتخلفة ، والتي ظل الناس فيها لا يورثون المرأة لأنها عندهم "المكسورة الجناح" التي لا تحيا الا في كنف الرجل سواء كان والدها او زوجها ، هذا بالاضافة للمفاهيم السائدة بأن توريث الاصهار سيؤدي الى خروج الارض من ملكية العائلة مع تعاقب الاجيال ، وهكذا يتم تحت هذا الشعار سلب النساء حقوقهن في ميراث الأب ، واذا ما حصل وان تمردت امرأة على هذا العرف الظالم ، فإن رجال العائلة يواجهونها بعداء سافر قد يتصاعد الى درجة تتعرض فيها هذه المرأة الى العنف والاذى لأنها اصبحت بنظرهم خارجة عن الاعراف والتقاليد .
(م) قالت ان العادة جرت في عائلتنا ان البنات لا يرثن ، وإنما يمنحن بعض المال مقابل أن يتنازلن لإخوتهن عن حصصهن في الميراث ، وتضيف (م) انها كانت تحرص على إرضاء والدها الذي عرض عليها هي واخواتها مبلغاً من المال مقابل التنازل لإخوتهن عن نصيبهن علماً بأن المال كان من والدي وليس من إخوتي ، وقد قلت لوالدي بأن هذا لا يجوز ، وبأن ذلك يعرضه للعذاب ، ولكن إخوتي قالوا لأبي بأنهم لن يعملوا بالأرض إلا إذا سجلت بأسمائهم وهكذا وجدنا انفسنا مضطرات للقبول بمبالغ زهيدة مقابل تنازلنا عن كامل حقوقنا في اراضي والدنا .
(ص) تقول ان والدها كان يمتلك عمارة من عدة شقق ، حيث كان يقوم بتأجير عدد منها في حين كان اخوتها يسكنون في الشقق الباقية ، واستمر هذا الوضع حتى وفاة الوالد ، إذ بعد انتهاء العزاء تبين لها هي واخوتها ان العمارة تم تسجيلها بالكامل باسماء اخوتها الذكور ، مما شكل صدمة كبيرة لها ولشقيقاتها اللواتي كن يعشن جميعا مع ازواجهن بشقق مستأجرة ، وكن يعلقن امالا كبيرة على حصصهن من ميراث والدهن ، وعبرت (ص) عن شعورها بالغضب ازاء ما حدث ، وقالت لو كانت مخافة الله باعتبار والدها واخوتها لما تم حرمانها هي وشقيقاتها من الميراث ، ولكنها اكدت انها لا تستطيع الا ان تسامح والدها على ما فعل على الرغم من ان الشريعة تحرم حرمان البنات من الميراث .
(ك) سيدة في الاربعين من العمر ، قالت ان والديّ تنازلا عن كل ما يملكان لاخواني الشباب قبل عشر سنين ، وحرماني انا واختي من اي شيء بحجة انهما لا يريدان ان تذهب الارض لازواجنا الغريبين ، اما عن علاقتها باخوتها الآن فتقول كل واحد منهم مشغول بنفسه ، فبعد ارتفاع اسعار الاراضي اصبحوا يمتلكون ثروات طائلة ، بينما انا وشقيقتي ما زلنا نعاني قلة ذات اليد والفقر الذي يأبى ان يفارقنا ، في حين اخوتنا لا يلتفتون الينا بل انهم لربما لا يكلفون انفسهم يزيارتنا الا قليلا ، ولكن في النهاية لا استطيع القول الا : الله يسامح الوالد والوالدة التي كان لها دور ايضا في حرماننا من الميراث .
للأسف ..التقاليد اقوى من القانون
الدكتور حسين الخزاعي استاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية ، قال ان التكافل والتراحم والتعاون بين افراد المجتمع اساس تقدم المجتمعات واستقرارها ، مشيرا الى ان ما يحدث بين الافراد من خلافات ونزاعات حول الميراث يعود الى عدم التزامهم بشرع الله - عز وجل - وعدم معرفة الفرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات ، او يقوم بتجاهل هذه الحقوق والواجبات لاسباب تتمحور حول الجشع والانانية وحب الذات مستغلا ان المرأة في المجتمع ليس لديها الجرأة للمطالبة في حقها من الميراث وذلك احتراما منها للعادات والتقاليد الاجتماعية حتى لو كانت هذه العادات والموروثات الاجتماعية تحرم المرأة من حقها الطبيعي والشرعي. وفي هذا الصدد يؤكد الخزاعي ان (10%) فقط من النساء الاردنيات لديهن الجرأة ويطالبن بحقهن في الميراث وان (90%) لا يطالبن بذلك ويقول الخزاعي :"للاسف تبلغ عدد قضايا الميراث المسجلة في كافة المحاكم الشرعية نحو (12) ألف دعوى بالرغم من ارتفاع مستوى التعليم ومشاركة المرأة في كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية . وهناك اشكال وسلوكيات تتبع لتخجيل الفتيات لدفعهن بعدم المطالبة في حقوقهن ومن هذه الامثلة احراج الفتيات واعطاؤهن مبالغ رمزية زهيده مقابل التنازل عن الميراث للذكور في الاسرة ، علما بان هذه السلوكيات تؤدي الى النزاع والعداوة والبغضاء بين افراد الاسرة الواحدة والعزلة الاجتماعية وفقدان الثقة ، ويجعل المرأة وزوجها اقل ولاء وانتماء ومشاركة مع اهل الزوجة في المناسبات الاجتماعية التي تتطلب تكاتف افراد الاسرة وتعاضدهم ، وخاصة في مناسبات الافراح والحزن والوفاة ، وان هذا الحرمان من الميراث ينقل البغضاء والكره والعداوة ين الابناء عبر الاجيال .
واضاف الخزاعي ان حرمان الفتاة من الميراث يرسخ ويعزز الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع الشرقي بانها تابعة للرجل ، وهو ابعاد لها عن ممارسة الدور الحياتي والاندماج في المجتمع والشراكة ومساندة الرجل في الاعمال الاقتصادية .
واشار الدكتور الخزاعي الى ان الاجراءات القانونية المعقدة والمملة والتي تستغرق وقتا كبيرا في عملية حصر الارث وفرز الممتلكات والحصص والاراضي بين الورثة ، وتكاليف هذه العملية وطول فترة الانتظار والاستئناف والاعتراضات وفي بعض الاحيان حدوث المشاكل والنزاعات بين الاهل يدفع المرأة الى التنازل عن ملكيتها ، وهذا قد يعود الى جهل المرأة في الانظمة والقوانين المتعلقة في الميراث .
ويقول الخزاعي"للأسف في المجتمعات الريفية العادات والتقاليد السائدة اقوى من القانون ، والنظرة الاجتماعية للمرأة التي تذهب الى القضاء وتشتكي طلبا لورثتها ينظر لها على انها متمردة وتكون معرضة للاتهام المسبق والهمس والعيب والخروج عن التقاليد ، كما ان خوف المرأة وحرصها على عدم تفسخ افراد الاسرة وحدوث الفرقة والنزاع بينهم بسبب الورثة يدفعها للتنازل ، ولعل المحزن والمقلق هو ان يتم تقسيم الميراث بين الاشقاء والفتاة لم تزل"عزباء"او صغيرة في العمر ، وهذا يعني انها يجب ان تعيش مع الاخوة وتصبر على هذه الظروف الاجتماعية وعندما يتقدم بها العمر تكون الورثة قد تم التصرف بها .
واشار الخزاعي الى ضرورة التوعية الدينية والاجتماعية والقانونية في حقوق المرأة في الميراث ، واتباع التنشئة الاجتماعية السليمة في الاسرة وعدم التمييز بين الابناء الذكور والاناث في المعاملة وغرس الوعي الديني في نفوس الاباء والامهات والتذكير باهمية اعطاء المرأة حقوقها كاملة في الميراث وان حرمان المرأة من الكبائر ولا يجوز الاعتداء على هذا الحقوق .
الحرمان يتم بموافقتهن احيانا
رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان المحامي هاني الدحله ، قال ان التقاليد والعادات الدارجة في المجتمع الاردني وهو كغيره من المجتمعات العربية تحصر حق الارث وخاصة في الاراضي في الابناء الذكور ، وتحرم الاناث في غالب الاحيان ، والسبب في ذلك ان العائلة تريد ان تبقي الارض والعقارات باسم العائلة ، ولا تذهب للانسباء والاصهار في حالة توريث البنات ، وكانت الاراضي وخاصة الزراعية هي المورد الاكبر واحيانا الوحيد لإعاشة العائلة ، ولكن هذه العادات والتقاليد بدأت تنحسر قليلا مع التعليم والثقافة وازدياد فرص العمل للنساء ، وان كانت سائدة لدى نسبة كبيرة من المواطنين ، ورغم ان الشريعة الاسلامية فيما يتعلق بالإرث واضحة في وجوب توريث الذكور والاناث ، لذا فإن المواطنين الذين يلجأون لتوزيع املاكهم قبل وفاتهم على الذكور فقط انما يفعلون ذلك فقط للاسباب المذكورة آنفا ، وللأسف فإن الاخوات لا يستطعن اللجوء للمحاكم اذا ما تم التوزيع في حياة الموروث لأن كل انسان حر بأملاكه يستطيع ان يعطيها بمقابل او دون مقابل لمن يشاء ، ولكن في حالة الوفاة والاملاك لا تزال باسم الموروث فانها توزع حسب الشرع بين الذكور والإناث ، وهناك حالة استثناء واحدة يمكن فيها اللجوء للمحاكم لابطال عملية حرمان الاناث ، وذلك عند وقوع توزيع الاملاك في مرض الموت وهو المرض الذي لا رجاء من الشفاء منه ، والذي يمكن ان يستمر لمدة سنة قبل الوفاة ومن الامور اللافتة للنظر ان حرمان الاناث يتم في بعض الاحيان بموافقتهن وبطلب منهن لأنهن يردن ان تبقى املاك العائلة في الرجال فقط .
الميراث حق للمرأة
أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الاردنية الدكتور محمود السرطاوي ، قال ان الشريعة الاسلامية تساوي في قواعدها بين الرجال والنساء في المعاملات والحقوق والواجبات الا بما يتعلق بطبيعة كل واحد منهم ، اما بالنسبة للمال وحقوقه فقد اوجبت الشريعة الاسلامية المساواة بين الابناء في الاعطيات في الحياة الدنيا ، فقد ورد عن النعمان بن بشير ( ان والده اراد ان يعطيه ارضا دون اخوته وطلبت ام النعمان ان يشهد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الاعطية فقال صلى الله عليه وسلم : اكل ولدك اعطيته مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : اتريد ان تشهدني على زور سووا بين اولادكم في العطية كما تحبون ان تسووا بين اولادكم في البر ) اما بالنسبة للميراث فقد حدد الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم انصبة المواريث وحقوق الرجال والنساء ، قال تعالى {لًلرًّجَالً نَصًيبّ مًمَّا تَرَكَ الْوَالًدَانً وَالأَقْرَبُونَ وَلًلنًّسَاءً نَصًيبّ مًمَّا تَرَكَ الْوَالًدَانً وَالأَقْرَبُونَ مًمَّا قَلَّ مًنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصًيبًا مَفْرُوضًا ) وهذه الآية تقطع جزما بأن للمرأة نصيبا في الميراث ، وان كان قليلا لا يجوز حرمانها منه ، ولا شك ان كل من يحرم المرأة من نصيبها يكون قد تعدى حدود الله ، والله تبارك وتعالى يقول(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) وفي آيات اخرى توعده الله بعذاب عظيم يوم القيامة ، لذا فإن حرمان المرأة من الميراث يعد من الكبائر ويستوجب عقوبة الله تبارك وتعالى