في بادىء الأمر، كانت تستغرب العشرينية نهى من مواقف صديقتها المقربة منها حيالها، ففي كل مرة تأتي نهى بإطلالة أنيقة، وتحظى بإطراء أصدقائها لقاء مظهرها وأناقتها، تجد أن صديقتها تلتزم الصمت، ولا تبدي رأيا على الإطلاق، وكأنها لم تر شيئاً، وفي حال أبدت رأيها، فإنه لا يتعدى أن يكون انتقادا لها، وبأن ما ترتديه لا يناسبها، إلى جانب أنه، وبمجرد سماعها الإطراءات، يبدأ مزاجها بالتغير ويتبدل حالها تماماً.
تقول نهى "أنا أعلم أنها تحبني، غير أنه تبين لي أن غيرتها ليست بيدها، فهي تغار بطريقة غريبة، بحيث تعجز عن التحكم بنفسها، ويظهر عليها ذلك كثيراً، وهي كثيرا ما تحاول تقليدي في كثير من الأمور، غير أنها، في الوقت نفسه، لا تريد أن تعترف أن ما تفعله يأتي بدافع التقليد، بل تلجأ إلى اختلاق قصة طويلة لتفبرك سببا آخر لتقليدي في أمر معين".
وتشير نهى إلى أن للاثنتين كثيرا من الصديقات، غير أن صديقتها لا تتأثر بهن كما هي الحال معها، مبينة أنها في البداية كانت لا تشك بغيرة صديقتها منها، وتظن أن الأمر مجرد تهيؤات، لكن بعد أن لاحظت أغلبية صديقاتها تصرفاتها تأكد لها أنها تغار فعلا منها.
في حين تعترف لانا من غيرتها من أختها التي تصغرها سناً، وتقول "لا أحد يحب أختي مثلي، غير أنني أغار منها، لكن غيرتي لا تتعدى هذا الحد، فأنا لا يمكن أن أؤذيها، والسبب في ذلك هو أنها أجمل مني شكلا، أما السبب الأكبر فهو حب والدتي لها وتمييزها عني، الأمر الذي يجعلني أشعر أنها أفضل مني من جميع النواحي".
وتضيف أن ذلك التمييز جعلها تتحسس وتدقق في كثير من الأمور، فبمجرد خروجهما سويا، تبدأ بمراقبة الناس لتعرف إلى من منهما ينظرون أكثر، وفي حال التقائهما مع أصدقاء، تركز كثيرا على الكلام الذي يوجهونه لأختها ولها، مبينة أن الأمر جعل نفسيتها سيئة للغاية، وباتت تفكر في الأمر إلى مرحلة جعلتها تعرض على والدتها أن تدعها تقوم بعملية تجميل لتبدو أكثر جمالا مما هي عليه، غير أن والدتها رفضت ذلك.
ولعل غيرة الفتيات من بعضهن بعضا هو أمر موجود وبكثرة، ولأسباب كثيرة مختلفة ومتنوعة، غير أن نوع الغيرة ومستواها يختلفان من فتاة لأخرى، فهناك من تغار لشعورها بأنها لا تمتلك ما لدى صديقتها من شيء معين، ويقف الأمر عن ذلك الشعور، وهناك من تصل معها الغيرة حد الأذى، لكن يظل مبدأ الغيرة واحدا وموجودا لدى النساء.
اختصاصي الطب النفسي د.أحمد الشيخ يقول إن الفتاة الغيور تريد، دوما، أن توجه الإطراءات لها وليس إلى زميلتها، وفي داخلها تشعر بعدم الرضا إذا حدث عكس ذلك، لأنها ترى أن هذا الإطراء يجب أن يوجه إليها، وترفض الاعتراف بغير ذلك، مبينا أن إطراء غيرها يشعرها بالتوتر وبحالة من عدم الرضا، الذي يمكن أن يولد لديها مشاعر عدائية.
ويضيف أن الغيرة تتمثل بالرغبة في الحصول على أفضل ما في الآخر، والتقليل من شأن ما يمتلك لنفسه، غير أن ما يحدث في غيرة الفتيات من بعضهن هو التعظيم من شأن ما تمتلك الفتاة الغيور لنفسها، والتقليل مما تمتلكه الأخريات، والسبب في ذلك هو الشعور بأن ما لديها لا يكفي، لذلك تبدأ بالتقليل من شأن الآخرين.
ويشير إلى أن الفتاة إذا رأت أن غيرها تمتلك المقومات التي ترغب بها هي، فقد يتحول سلوكها إلى شكل عدواني، كونها تتذكر أنها تريد تلك الصفات لنفسها، فتبدأ بالتقليل من الأخرى، لافتا إلى أن الغيرة تنبني على انشغال التفكير بالموضوع، غير أنها قد تستثمر أحيانا من أجل الارتقاء والتحسين.
لكن الشيخ يستدرك بأن أخطر مرحلة من الغيرة هي العدوانية، بحيث تصل العلاقة إلى خلافات شخصية واجتماعية، مبنية على أسباب واهية.
وحنان هي واحدة أخرى من اللواتي اكتشفت هي وزميلاتها في العمل أن إحدى صديقاتهن تغار بطريقة كبيرة، ولا تحب حصول أمر حسن لأي منهن، فبعد مرور فترة طويلة على مصادقتها، توصلن جميعا إلى تلك النتيجة، من خلال تصرفاتها، حيث كان ينتابها، مثلا، وبمجرد علمها أن إحدى الصديقات قد تقدمت في عملها، غضب شديد تحاول السيطرة عليه، لكنها تخفق، فضلا عن كثير من الأمور الأخرى، كتقدم عريس لإحداهن، أو الشعور بان هناك من هو أفضل منها في العمل، أو حتى على الصعيد الاجتماعي.
وتضيف حنان أن تلك الصديقة تحاول، في أحيان كثيرة، إخفاء أمور كثيرة يطلب منها توصيلها إلى إحدى الزميلات، بشكل رسمي في العمل، حتى لا تستطيع زميلتها إتمام الشيء في الوقت المحدد، ولكي لا تتقدم في عملها، فضلا عن علاقات كثيرة تعمل على إفسادها.
اختصاصي علم الاجتماع د.منير كرادشة، يرى أن هناك كثيرا من الفتيات اللواتي يردن أن يكن هن الأساس، ولافتات النتباه، وبأن يشعرن بأن كل شيء يدور من حولهن، مبينا أن هذه النزعة موجودة عند الأنثى، على نحو مكثف جدا، إلى جانب أنها تعتبر طبيعة فطرية عند المرأة، وهي تفرد لتلك المواضيع جانبا كبيرا من حياتها.
ويضيف أن مقارنة الذات بالآخر، والشعور بأن الآخر أفضل وأحسن، يولد مشاعر العجز والإحباط وعدم تقدير الذات، وتخلق صورة مشوهة عن الذات، مبينا أن مرد هذا كله إلى الحاجة لتقدير الذات.
ويشير كرادشة إلى أن الشخصية الغيور دائما تسعى، بكل جهدها، إذا وجدت الناس أفضل منها، أن تبخس من قدرهم، حتى تصل إلى حالة توازن قوامها أن الآخرين ليسوا أفضل منها، موضحا أن هذه الحالة طبيعية، وموجودة في كل المجتمعات، لكن المشكلة تنشأ إذا زادت الغيرة على حدها لدى الشخص، لأنه قد يسعى إلى تدمير الآخر، وهي غيرة مترافقة مع انخفاض مستوى الوعي.
ويؤكد أنه لا بد لتلك الشخصية أن تعيش على ما هي عليه، وأن لا تضع نفسها في مقارنة مع الآخرين، مشيرا إلى أن هذه الغيرة يمكن تحويلها إلى طاقة للإنجاز والعطاء والنجاح، وحينها تصبح طاقة إيجابية.
وتتصف المرأة الغيور بأنها غير واثقة بنفسها، دائمة التبخيس من قيمة الأخريات، تشعر أنها يجب أن تكون دائما محط الأنظار والأفضل في كل شيء، لا تبدي أي إطراءات أو كلام إيجابي لغيرها، دائمة الانتقاد وإظهار العيوب، تحاول بشتى الطرق التقليد من دون الاعتراف بذلك، فضلا عن أنها دائمة المراقبة والتمعن في الأخريات، تمتلك صفة الكيد








5118, Amman 11183, Jordan